کد مطلب:309784 شنبه 1 فروردين 1394 آمار بازدید:271

القسمت 21


انطوت لیالی رمضان وابتسم هلال شوال یحمل للقلوب فرحة عید الفطر... وامتزجت فرحة العید بفرحة اُخری.

لقد أتم الرسول والذین آمنوا حفر خندق امتد خمسة آلاف ذراع وعرض تسعة أذرع و عمق سبعة أذرع.

تجمع بعضهم فوق التلال المشرفة وراحوا ینظرون إلی عمل انجزته الإرادة.. إرادة الإنسان الذی اضاءت نفسه شعلة سماویة.

- أیّة قوة أنجزت هذا العمل العظیم؟

- انها قوة الإیمان یا أخی.

- أجل.. المؤمن أقوی من الجبل.

ابتسم هلال شوال یعلن نهایة رحلة الجوع والظمأ... وعاد المؤمنون یحملون معاولهم و قد نفضوا تراب یومٍ حافلٍ بالعمل.

عسكرت جیوش مكّة فی «مجمع الاسیال» بین «الجرف»


و «زغابة».. و عسكرت غطفان ب«ذنب نقمی» فی الجهة الغریبة من جبل اُحد... و كان حیّ بن أخطب من سلالة السامریّ یكید من أجل احتلال یثرب و قتل النبی الأمی الذی یجده مكتوباً فی التوراة... فی أعماقه یتردد خوار عجل.. عجل عبدوه من دون اللَّه.

تحطمت أحلام أبی سفیان أمام خندق لم یكن لیخطر علی باله یوماً.

تمتم حانقاً و هو یهمز فرسه بالسوط.

- مكیدة لا تعرفها العرب.

- انها من تدبیر ذلك الفارسی.

- لا یمكن اقتحام الخندق أبداً.

- لیس أمامنا سوی ضرب الحصار.

حل المساء.. و ریاح الشتاء تهب من ناحیة الشمال.. ریاح تخترق الجلد و تصلّ فی العظم.. جلس أبوسفیان قبالة النار المشتعلة والریح تعبث بأطراف الخیمة و كانت ظلاله تتراقص فوق وبر الخیمة كشیطان مرید..

تمتم عكرمة و هو یحاول كسر الصمت الجاثم:

- انهم بعیدون عن مرمی النبال.

أجاب أبوسفیان و هو یحدق فی المجمر:


- ابحثوا عن ثغرة لاقتحام الخندق فإطالة أمد الحصار لیس فی صالحنا.

علق عمرو بن العاص:

- أنا لا أثق بقریظة انهم یطلقون أقوالهم جزافاً، و إلّا فأین أفعالهم... ألف مقاتل فی خاصرة یثرب.. و هم ما یزالون یختبئون خلف حصونهم.

قال عكرمة یائساً:

- و لا تنس قبائل غطفان.. انهم یلوحون بالصلح مع محمد مقابل حفنة من التمر.

صرخ أبوسفیان هائجاً:

- و هل جاءوا إلّا من أجل ذلك...

سكت هنیهة و أردف و قد التمعت عیناه ببریق مخیف:

- غداً سأحسم الأمر.

اطلّ الصباح بارداً برود الموتی، و قد بلغت القلوب الحناجر...

كان «العامری» یجول بفرسه فی «السبخة» بین الخندق و جبل «مسلع».. لقد تمكّن مع قوّة من فرسانه من اقتحام الخندق.

أمر النبی مفرزة من قواته بقطع طریق العودة.

صرخ الفارس المعلَّم بكبریاء:

- هل من مبارز..


وخیم صمت رهیب و كانت القلوب الخائفة تدق بعنف كطبول الحرب.

- هل من مبارز.. ألا من مشتاق إلی جنته؟!

وقهقه فرسان كانوا ینظرون الیه باعجاب و نهض علیّ للمرة الثالثة یطلب المواجهة فأذن له الرسول.. و تقدّم فتی الإسلام.

رفع النبی یدیه إلی السماء.. إلی عالم لا نهائی:

- اللّهم انّك أخذت منی عبیدة یوم بدر و حمزة یوم اُحد و هذا علیّ أخی و ابن عمّی فلا تذرنی فرداً و أنت خیر الوارثین.

ثم تمتم و هو یشیّع علیّاً بنظراته:

- برز الإیمان كلّه إلی الشرك كلّه.

وتقابل فارس و راجل؛ مشرك و مؤمن.

- من أنت؟

- علی بن أبی طالب.

- لیبرز إلیَّ غیرك.. انی أكره أن اقتُلك..

لقد كان أبوك صدیقاً لی.

- لكنی أحبُّ أن اقتلك.

قال «ابن ودّ» وقد لاحت له طیوف من بدر یوم التقی الجمعان:

- أكره أن أقتل رجلاً كریماً مثلك.. ارجع خیرٌ لك.

أجاب علیّ بعزم:


- ان قریشاً تتحدّث عنك انّك تقول:

لا یدعونی أحد إلی ثلاث خلال إلّا أخذت واحدة منها.

- أجل.

- فإنی أدعوك إلی الإسلام.

- دع عنك هذه وهات لی غیرها.

- ادعوك إلی أن ترجع بمن تبعك من قریش إلی مكة.

- اذن تتحدث عنی نساء مكة ان غلاماً خدعنی.

- أدعوك إلی القتال راجلاً.

اشتعل غضب متأجج فی عینیه، واقتحم عن فرسه... واحتدم الصراع بین سیفین؛ سیف الإسلام و سیف الجاهلیة... الإیمان و الكفر... الغضب السماوی و الحمیة.. حمیة الجاهلیة... و كان الرسول یدعو:

- اللهم لاتذرنی فرداً و أنت خیر الوارثین.

وهوی سیف كصاعقة غاضبة... لیسقط رجل اقتحم الخندق علی حین غفلة...

وعاد علی وبشائر نصر عظیم تموج فوق وجهه.

هتف عمر مدهوشاً:

- هلا سلبته درعه فانه لیس فی العرب درعٌ مثلها.

أجاب علی وقد أطلّ الإنسان من عینیه:


- استحییت أن أكشف سوأته.

وفی حصن «فارع» كان حسّان مع النسوة و الأطفال.. و قد بلغت القلوب الحناجر.

كانت رائحة الغدر تتصاعد من حصون بنی قریظة.

جلست فاطمة قرب صفیة تراقبان شوارع المدینة. فجأة، لاح الخطر... عینان یهودیتان تتلصصان ورائحةُ الغدر تزكم الانوف.

هتف صفیة:

- یا حسان هذا یهودی یطوف حول الحصن كما تری فانزل الیه واقتله.. والّا دلّ علینا.

أجاب حسان وهو یبلع ریقه:

- غفر اللَّه لك یا ابنة عبدالمطلب

نهضت صفیة و قد أخلد حسان إلی الأرض. شدت وسطها. كانت فاطمة تراقب ملامح لحمزة فی وجهها فی عزمها و الإیمان الذی غمر قلبها.

هبطت صفیة درجات الحصن وفی قبضتها عمود.

ودوّت ضربة هاشمیة علی رأس «السامریّ».. و شخصت العینان و بریق الغدر یخبو شیئاً فشیئاً...

هتفت صفیة:

- یا حسان انزل الیه و اسلبه.

تشبث حسان بالأرض، وقد ذعر الجرذ القابع فی أعماقه.